عرف عن الفرزدق ارتداء ثوب الهجاء كأحد اضلاع المثلث الاموي ولكن المتأمل في ذلك يجد نوعاً آخر من الشعر سيتضح من خلال سياق الحديث فالذي قيد نفسه واقسم ان لا يحل قيده حتى يحفظ القرآن الكريم نجده يتضرع الى الله بقوله:
فيارب ان تغفر لنا ليلة النقا
فكل ذنوبي انت يا رب غافره
ويقول:
دعوت الذي سوى السموات ايده
ولله ادنى من وريدي والطف
ثم يقول في موضع آخر مشيراً الى قصة سيدنا يونس عليه السلام عندما ناجى ربه في الظلمات:
لما رأيت الارض قد سد ظهرها
ولم تر الا بطنها لك مخرجا
دعوت الذي ناداه يونس بعدما
ثوى في ثلاث مظلمات ففرجا
ويحذر من سوء السريرة وسوء المنقلب:
ولا شئ شر من سريرة خائن
يجئ بها يوم ابتلاء المحاصل
هي العار في الدنيا عليه وبيته
بها يوم يلقى الله شر المداخل
ويقول محذراً من سوء العمل :
لقد خاب من اولاد دارم من مشى
الى النار مشدود الخناقة ازرقا
اذا جاءني يوم القيامة قائد
عنيف وسواق يسوق الفرزدقا
وحول خروج الاموات من قبورهم مستمداً الصورة من قوله تعالى:«يخرجون من الاجداث كأنهم جراد منتشر» يقول:
بالباعث الوارث الاموات قد ضمنت
اياهم الارض في دهر الدهارير
اذا يثورون افواجاً كأنهم
جراد ريح من الاجداث منشور
وللعبادة جانب في شعر الفرزدق فهو يرثي لحاله حين يشغله عن صلاته التفكير في الحسان لايمانه بأن في الصلاة الخير الكثير:
لقد دلهتني عن صلاتني وانه
ليدعو الى الخير الكثير اقامها
ثم يأسف لحاله مرة اخرى لتقصيره في الصلاة وندمه لذلك:
فلمَّا للصلاة دعا المنادي
نهضت وكنت منها في غرور
ويتحدث عن القصر في صلاة المسافر موجها الخطاب الى زوجته النوار:
فان تصحبينا يا نوار تناصفي
صلاتك في فيف تكر حواجله
كما نراه في حالة الهجاء يعيب على رهط الاحنف بن قيس بأنهم قوم ليس لهم مسجد يعمرونه:
لكل اناس مسجد يعمرونه
وليس لِنِزَّال بن مرة مسجد
ولا يهمل الصوم والحج فتراه يذكر ان نساء تميم نذرن لله بصوم شهر تطوعاً وحج بيته ان رد اليهن يزيد بن عمر الاسدي الذي سجنه الحجاج:
وكم نذرت من صوم شهر وحجة
نساء تميم ان اتاها يزيدها
وكذلك له مع الصبر وقفة فيقول في فضل الصبر:
لئن صبرت نفسي لقد امرت به
وخير عباد الله من كان اصبرا
ويفتخر على قومه بالحلم و الحياء وتقوى الله:
وانني لينهاني عن الجهل فيكم
اذا كدت خلات عن الحلم اربع
حياء وبقيا واتقاء وانني
كريم فأعطي ما اشاء وامنع
ويدعو الى الزهد
لا يعجبنك دنيا انت تاركها
كم نالها من اناس ثم قد ذهبوا
ثم يقول في الدنيا:
اما تصلح الدنيا لنا بعض ليلة
من الدهر الا عاد شيء فأفسدا
ويكره الظلم والجور وينفر منهما:
وفي الارض عن ذي الجور منأى ومذهب
وكل بلاد اوطنتك بلادي
وماذا عسى الحجاج يبلغ جهده
اذا نحن خلَّفنا حفير زياد
ويحذر ابنه من مغبة عقوق الوالدين:
أإن ارعشت كفَّا ابيك واصبحت
يداك يدا ليث فانك جاذبه
اذا غالب ابن بالشباب اباً له
كبيراً فان الله لابد غالبه
وينهى عن شرب الخمر والانغماس في الاثم ويبين انه مضيعة للعبادة:
من يأت عواماً ويشرب عنده
يدع الصيام ولا تصلِّى الاربع
ويبيت في حرج ويصبح همه
برد الشراب وتارة يتهوع
ويعلم ان ذروة سنام الاسلام هو الجهاد في سبيل الله فهو يهز النفوس حاثا على ذلك وان النصر من عند الله:
فما الناس الا في سبيلين منهما
سبيل لحق او سبيل لباطل
فجرد لهم سيف الجهاد فانما
نصرت بتفويض الى ذي الفواضل
ويتحدث عن نصر الله لعباده المجاهدين بالملائكة:
ملائكة من يجعل الله نصرهم
له يك اعلى في القتال واصبرا
رأوا جبرائيل فيهم اذ لقوهم
وامثاله من ذي جناحين اظهرا
فلمَّا رأى اهل النفاق سلاحهم
وسيماهم كانوا نعاما منفرا
ويحذر الفرزدق عن التولي يوم الزحف وانه من السبع الموبقات:
رأوا انه من فر من زحف مثلهم
يكن حطبا للنار فيمن تكبرا
اما القصص القرآني فله جانب كبير في حياته فعندما كان عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه واليا على المدينة المنورة وكان بها الفرزدق وقد بلغ من فحشه الكثير امهله الوالي ثلاثة ايام فقال في ذلك:
توعدني فأجلني ثلاثاً
كما وعدت لمهلكها ثمود
وهذا مشتق من قوله تعالى في ثمود:« فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة ايام ذلك وعد غير مكذوب».
وقال نادماً على تطليق زوجته النوار مشبها نفسه بآدم حين خرج من الجنة:
وكانت جنتي فخرجت منها
كآدم حين لج به الضرار
الا ان الفرزدق وقع في عدة اخطاء عند تصويره لبعض قصص القرآن الكريم فهاهو يجعل الذبيح اسحاق بينما هو اسماعيل عليهما وعلى ابيهما السلام فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول:« انا ابن الذبيحين» وهما عبدالله بن عبدالمطلب واسماعيل بن خليل الرحمن رغم ان ذرية اسحاق هم بنو اسرائيل:
ارجو الدعاء من الذي تل ابنه
لجبينه ففداه ذو الانعام
اسحاق حيث يقول لما هابه
لابيه حيث رأى من الاحلام
امض وصدق ما اسرت فانني
بالصبر محتسبا لخير غلام
وفي موضع آخر يقع في نفس الخطأ التصويري ولكن بشكل مختلف فهو يزعم ان ثمود اهلكت برجمها بالشهب وهذا غير صحيح فثمود اهلكت بالصيحة لقوله تعالى:«واخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين، كأن لم يغنوا فيها الا ان ثمود كفروا ربهم ألا بُعْداً لثمود»:
واني انا النجم الذي عذبت به
قرى امة بادت وباد نخيلها
وكان الطرمح الاحيمق اذ عوى
كبكر ثمود حين حن فصيلها
ثم يخطئ مرة وصيب اخرى في تصوير واحد عندما هجا الحجاج فقد اخطأ عندما صور هلاك ابن سيدنا نوح وهو كنعان بالرجم بالحجارة وهذا قول خاطئ فكنعان اهلك غرقا وليس هناك وجه شبه في طريقة اهلاكه واهلاك ابرهة الحبشي الذي نوى هدم الكعبة المشرفة واصاب عند اراد قول ان ابرهة اهلك بحجارة من سجيل:
فلما عتا الحجاج حين طغى به
غنى قال اني مرتق بالسلالم
فكان كما قال ابن نوح سأرتقي
الى جبل من خشية الماء عاصم
رمى الله في جثمانه مثل ما رمى
عن القبلة البيضاء ذات المحارم
جنودا تسوق الفيل حتى اعادها
هباء وكانوا مُطْرَ خِمِّي الطراخم
ختاما لذلك ان ديوان الشاعر الاموي الكبير يحتوي على الكثير من الشعر الاسلامي والذي لا يتسع المجال هنا لسرده جميعا.